Demo image Demo image Demo image Demo image Demo image Demo image Demo image Demo image

الحب أولا ~ لدكتور سلمان العودة !

  • الجمعة، 11 نوفمبر 2011
  • هبة سامى
  • مقال الحب اولا

    حين تعيد قراءة الأسماء الحسنى؛ ستجد مفاجأة بانتظارك !

    ليس من بين هذه الأسماء المذكورة اسم تمحّض للأخذ والعقاب والعذاب .

    فيها أسماء الرحمة والود واللطف ، وأسماء العلم والإحاطة ، وأسماء الْخَلْق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير ، وأسماء القدرة والقوة ، وأسماء العلوّ والعظمة ، وأسماء الجمال والجلال والكمال ، ..

    فيها : الرحمن ، الرحيم ، الغفور ، السلام ، الوهّاب ، الرزاق ، الفتاح ، اللطيف ، الجميل ، المجيب ، الودود ، الصمد ، البر ، العفو ، الرؤوف ، الغني ، النور ، الطيب ، المنان ، الجواد ، ذو الفضل ، .. إلخ

    وليس فيها : المعذِّب ، المنتقم ، الآخذ ، الباطش ، وهل " شديد العقاب " اسم من الأسماء الحسنى ؟!

    الأصح أنه ليس من الأسماء الحسنى بل هو وصف لعقابه ، بمنزلة قولنا " عقابه شديد " وبمنزلة قولنا " عذابه أليم " وهذه لا تكون في أسمائه الحسنى -عز وجل- ، وهذا الذي اختاره ابن تيمية وابن القيم وجمع من المحققين .

    يقول -رحمه الله- : " وليس من أسماء الله الحسنى اسم يتضمن

    الشر ، إنما يُذكر الشر في مفعولاته ، كقوله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي

    أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (الحجر:

    الآيتان 50،49) ، وقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ

    اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:98) (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ

    يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج : الآيات 14،13،12) ،

    وقال : " وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يُمدح به ، ولهذا

    كانت كلها حسنى .. ".

    ومثل ذلك قاله ابن القيم :

    " إن أسماءه كلها حسنى ، ليس فيها اسم غير ذلك أصلاً .. وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها ، لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى ، وهذا باطل ، فالشر ليس إليه .. ".

    وقال : " إن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه ؛ ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه ، وأما العذاب والعقوبة فإنما هو من مخلوقاته ، ولذلك لا يسمى بالمعاقِب والمعذِّب ، بل يفرق بينهما ، فيجعل ذلك من أوصافه ، وهذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة ، كقوله تعالى :

    (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (الحجر: الآيتان 50،49) .

    ويقول الدكتور عمر الأشقر :

    " لا يدخل في أسماء الله ما كان من صفات أفعاله ، أو صفات أسمائه ، مثل شديد العقاب ، وسريع العقاب ، وسريع الحساب ، وشديد المحال ، ورفيع الدرجات .. " .

    وهكذا قال غير واحد : إنها لم تستعمل إلا مضافة أو موصوفة على غير سبيل التسمي ، بل على سبيل الوصف أو الإخبار ، فلا تستعمل إلا بالصفة التي وردت .

    وليس مما توجب أسماؤه الحسنى ألّا يزال معاقباً على الدوام ، أو غضبان على الدوام ، أو منتقماً على الدوام ، وتأمُّلُ هذا المعنى يفتح للنفس آفاقاً من الفقه في أسمائه وصفاته ، ويزيد معرفته ومحبته ، ولذا كان النبي  يقول في دعائه كما في الصحيحين: " والشَّرُّ لَيسَ إليكَ " ومعناه على التحقيق : أن الشر لا يضاف إلى الله ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أسمائه ، فإنّ له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وصفاته كلها صفات كمال يُحمد عليها ، ويُثنى عليه بها ، وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة ، وأسماؤه كلها حسنى ، فكيف يُضاف الشر إليه ؟

    بل الشرّ يقع في مفعولاته ومخلوقاته منفصلاً غير قائم به سبحانه ، وله في ذلك من الحكمة ما لا يحيط البشر به علماً .

    هذا المعنى يتأكّد بدراسة الأسماء الحسنى كما دونها العلماء ، وهو يدل على أن الفقيه والداعية ينبغي أن يعرّف العباد بربهم؛ مقدماً أسماءه الكريمة الحسنى المشتملة على برّه وجوده ورحمته ولطفه وعفوه ومغفرته .

    وأن هذا خير ما يسوق العباد إلى ربهم ، وهو شعور الحب الذي يُجمِع العلماء على أنه أفضل شعور وأنبل إحساس ، وأنه مُقدّم على الخوف وعلى الرجاء .

    والحب لا يلغي الرجاء ، ولا يلغي الخوف ، وهما في الفطرة

    الإنسانية, ولذا كان الأنبياء يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ، وتضرعاً

    وخيفة ، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً

    وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء: من الآية90)، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً

    وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا

    وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً)(الأعراف: الآية 55 ومن الآية56) بيد أن تأمل

    الحكمة في اختصاص الأسماء الحسنى بمعاني المدح المطلق ،

    والثناء المطلق ، يسمح باقتباس هذا الدرس العظيم النافع في

    الدعوة والتربية والبناء والتعليم .

    وليس من الوفاء لهذا الدرس العميق ، أن نقرره ، وأيدينا على قلوبنا ، ونحن ننتظر أن ينتهي التقرير لنسارع ونقول :نعم .. ولكن !

    من حق المعاني العظيمة أن تُقرر بعيداً عن المخاوف ، وتأخذ حقها في النفوس ، وفي الدروس ، وفي الحياة العملية ، دون أن نُصاب بداء الثنائية والحدّية؛ الذي يجعلنا نظن أن تقرير هذا المعنى يفضي إلى إلغاء جانب الخوف أو الرهبة أو الوجل .

    بل يقرر هذا في سياقه بأريحية تامّة ، ويقرر غيره بأريحية كذلك ، وهي معانٍ تتكامل وتتعاضد ولا تتعاند .

    ولو أننا قهرنا أنفسنا على هذا؛ لأورثنا فقهاً أوسع ، وفتح لنا أبواباً من الخير ربما حرمناها بعجلتنا ، ورحمة الله تعالى خير لنا من أعمالنا ، فاللهمّ ارحمنا ولا تكلنا إلى أنفسنا 

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق